بقلم: محمد أمين، النائب الأول للرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وروسيا وإفريقيا وتركيا لدى “دل تكنولوجيز”
بدأت الحوسبة الطرفية تجذب المزيد من الاهتمام في الآونة الأخيرة، وبدأنا نلمس تأثيرها على طريقة
تفكير المؤسسات في التعامل مع البيانات والتوجه لأبعد من استخدام مراكز البيانات. وفي ظل التحوّل
الأخير إلى العمليات الافتراضية والعمل عن بُعد، وجدت المؤسسات نفسها أمام تحدٍ جديد تمثل في
إيجاد أساليب وبنى تحتية مبتكرة لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة.
وتزامن ذلك كلّه مع موجة التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة، حيث تسهم موجات التقدم
التكنولوجي في تشكيل وتغيير عالم تكنولوجيا المعلومات، وفرض تحديات جديدة أمام كيفية قيام
الشركات بأعمالها. ويمكن أن يُعزى التزايد الكبير في تدفق البيانات إلى الانتشار الواسع للأجهزة
الذكية والاعتماد عليها وزيادة الاتصال.
وفي ظل التوقعات التي تشير لوصول نقاط النهاية إلى 30 مليون نقطة بحلول العام 2023،
فإن تحديث البنية التحتية الطرفية تتطلب وجود منصات قادرة على توفير الخدمات الملحة،
ومتطلبات البيئة والطاقة والتعامل مع الحضور المادي الذي تتطلبه حلول إنترنت الأشياء.
وتقوم الأجهزة المختلفة من الهواتف والطائرات المسيّرة والسيارات والساعات الذكية وشبكات
المرافق وأجهزة الاستشعار والآلات الصناعية بإنتاج كميات كبيرة من البيانات، مما يفرض على قادة
تكنولوجيا المعلومات تحديد كيفية ومكان معالجة هذه البيانات بصورة فورية. ولقد أصبح الوصول إلى
البيانات الموزعة وتحليلها في الوقت الفعلي أكثر أهمية بالنسبة للشركات، الأمر الذي يغذي الحاجة
إلى وضع استراتيجيات حوسبة وأنظمة معالجة مختلفة، تسد الثغرات الذي قد توجد في مراكز البيانات
الأكبر الموجودة في أماكن بعيدة.
هذا وتتوقع مؤسسة “جارتنر للأبحاث” بأنه بحلول عام 2022 ونتيجة لمشاريع الأعمال الرقمية، سيتم
توليد ومعالجة 75% من بيانات المؤسسات خارج السحابة أو مركز البيانات التقليدي المركزي، بزيادة
أقل من 10% عمّا هو عليه اليوم.
وينبغي على الشركات أن تمتلك بنية تحتية رقمية مرنة ومتسقة للتكيف بسرعة مع هذه التغييرات.
وفي ظل قدرة الحوسبة الطرفية على جمع البيانات التي تتولّد بالقرب من المصدر والتقدم الحاصل في تطبيقات التحليلات، فقد بدأت نماذج الأعمال الجديدة في تغيير الطريقة التي تفكر فيها
المؤسسات حول أصولها التقنية. وبحسب تقرير أصدرته مؤسسة “جراند فيو للأبحاث” في وقت سابق
من هذا الشهر، فإنه من المتوقع أن تبلغ قيمة صناعة الحوسبة الطرفية 28.8 مليار دولار بحلول عام
2025.
وفي سياق متصل، فإن التقدم الحاصل في التقنيات الناشئة يعزز من اعتماد الحوسبة الطرفية، مما
يتيح الانتقال من نموذج مراكز البيانات المركزية إلى مراكز توزيع طرفية أصغر. وتسهم تقنيات الجيل الخامس 5G وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي في خلق نماذج جديدة استناداً إلى البيانات الموجودة
في المراكز الطرفية والتي سيكون لها تأثير على القطاعين العام والخاص. ومع التوقعات بازدياد
الاعتماد على تقنيات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء بشكل كبير في المنطقة، يمكن أن توفر الحوسبة
الطرفية قيمة كبيرة من خلال تقليل وقت الاستجابة وتمكين إجراء التحليلات في الوقت الفعلي،
والاستفادة الكاملة من إمكانات هذه التقنيات. كما يمكن للجمع بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة
الطرفية أن يساعد في تعزيز الابتكار وتحسين العمليات والارتقاء بتجارب العملاء والأتمتة في الوقت
الحقيقي تقريباً.
وتفيد الحوسبة الطرفية أساساً في معالجة البيانات بالقرب من مصدرها، الأمر الذي أثبت فاعليته في
حالات زيادة استخدام التحليلات والتعلم الآلي. وسيكون من المثير للاهتمام رؤية كيفية استفادة
الشركات من هذه التقنيات المتقاربة، لما تتمتع به من إمكانيات قادرة على إحداث تغيير جذري في
العديد من الصناعات والمجالات.
ففي مجال التجزئة، على سبيل المثال، يمكن أن تتراوح الفوائد بين تقنيات التعرف على الوجه لتقديم
إعلانات ذات طابع شخصي، وتعزيز الرقابة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الأمن والحدّ
من خسائر السلع لأي سبب كان. أما في الصناعات التحويلية، فيمكن لهذه التقنيات تعزيز الإنتاج من
خلال تسريع عمليات التحقق المؤتمتة لضمان الجودة، ومعالجة جوانب القصور في مجالات عديدة
تشمل توقع فترات الصيانة، والإدارة المؤتمتة للعمليات ووضوح سلاسل التوريد. وأما بالنسبة لقطاع
الرعاية الصحية، فيمكن تبسيط العديد من العمليات مثل الجراحة عن بُعد، والتطبيب عن بُعد، وعلى
مستوى المدن الذكية، توفر هذه التقنيات العديد من الفوائد التي تشمل توفير دعم أسرع لسيارات
القيادة الذاتية وصولاً إلى الإدارة الذكية لحركة المرور.
وعلاوة على ذلك، فإن الفوائد الأخرى مثل تقليل وقت الاستجابة وتحسين الإنتاجية وتعزيز الأمن
والعزل وتقليل البيانات، هي أمور تجعل من الحوسبة الطرفية مجالاً جاذباً للاستثمار في البنية التحتية
للتقنية بالنسبة لمزودي خدمات الاتصالات.
وإذا كانت الشركات ترغب في الاستعداد بشكل جيد لهذه الموجة المقبلة، فإنه يتوجب عليها البدء
بتخطيط كيفية دمج الحوسبة الطرفية في أجنداتها. وقد لمسنا كيف أن دور الرئيس التنفيذي
لتكنولوجيا المعلومات بات يتطور بصورة مستمرة ليتناسب مع وتيرة التغيير السريعة في صناعة
تكنولوجيا المعلومات، وينبغي على مدراء تكنولوجيا المعلومات أن يدركوا ضرورة مواصلة التعلم، وأن
هناك نوعاً من المخاطر المتضمنة لهذه التقنية. ونظراً لقدرة الحوسبة الطرفية على تغيير المؤسسات،
يتوجب على هؤلاء المدراء تحديد احتياجات وأهداف الأعمال التي يمكن لهذه التقنية المساعدة في
تحقيقها. والسؤال هنا متى سيكون الوقت مناسباً للاستثمار في الحوسبة الطرفية، وأين هو موقعها
في عمليات إدارة البيانات واستراتيجيات السحابة الأشمل؟
فعوضًا عن النظر إلى الحوسبة الطرفية على أنها خيار نهائي، فمن الأفضل اتباع نهج مختلط
أو هجين من خلال دمج تقنيات ناشئة مختلفة بأساليب مبتكرة. ولا بدّ أن تعمل الشركات على تحديد مواطن قوة الحوسبة المحلية للحصول على أفكار ومعلومات آنية، ومعالجة البيانات بشكل سريع
وتقليل وقت الاستجابة. ويمكن للاستثمار في المجالات الصحيحة أن يساعد في تعزيز الكفاءة وخفض
تكاليف التعامل مع البيانات، وتوفير المرونة اللازمة للتعامل مع متطلبات الذكاء الاصطناعي المستقبلية
والتطبيقات المرتبطة بوقت الاستجابة. ومن المؤكد بأن دور الحوسبة الطرفية سيكون أكبر مع زيادة
مستويات التحول الرقمي، وقد تكون هذه التقنية في نهاية المطاف هي المفتاح لتعزيز نجاح الاتصالات
الذكية.