يشير مصطلح “الإنهاك الرقمي” (Digital Burnout) إلى حالة الاستنزاف الذهني والعاطفي الناجم عن تمضية
وقت زائد على الأجهزة الرقمية والأنشطة عبر الإنترنت، وهو يشمل حالات الإرهاق والقلق والشعور إمّا بالانخراط
الزائد أو اللامبالاة، علماً بأن هذه الأعراض قد تترجم أيضاً إلى مشاكل جسدية مثل آلام الصدر والأمراض العضوية
على المدى الطويل.
ما هو الإنهاك الرقمي؟
كما تُمثل حالات الإنهاك والإرهاق التي قد تنجم عن التعامل الدائم مع التكنولوجيا، مشكلة طالما عانى منها العملاء،
بدءً من وابل الإشعارات التي لا تنتهي، وشعور المرء بوجوب الرد الفوري على الرسائل،
وشلالات المعلومات الهائلة على وسائل التواصل الاجتماعي، هذه كلها من شأنها أن ترهق أذهان الجميع
وتلقي بظلالها على الصحة النفسية. وقد بات “الإنهاك الرقمي” اليوم أكثر انتشاراً من أي وقت مضى،
مع احتمال استمرار ارتفاع معدلاته بسبب سنوات الحجر الصحي الفائتة، وهو ما قد يؤدي في كثير من الأحيان
إلى اضمحلال الخطوط الفاصلة بين الحياة الشخصية والمهنية.
على سبيل المثال، أثناء يوم العمل العادي تكون أدمغتنا معرّضة لسيول من المعلومات المرهقة أثناء تنقلنا بين
المهام عبر أجهزة متعددة، ما يُشعرنا أننا في حالة “إلحاح” تغذي إفراز الأدرينالين، كأننا دائماً “على الخط”،
سواء كان ذلك من خلال المشاركة في اتصالات ’زوم‘، أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصيّة،
أو مواكبة آخر أخبار قطاعنا على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أصبح الخروج من هذه الدوّامة أمراً أكثر صعوبة
في عصرنا هذا حيث بات العالم مترابطاً لأبعد الحدود.
إدمان الدوبامين
هل سبق لك أن فتحت هاتفك المحمول بشكل تلقائي ونقرت على أحد التطبيقات، ووجدت نفسك فجأة تتصفّح
دون وعي لمدة ساعات طويلة دون أن تدرك ذلك؟ أنت لست وحدك! وفقاً لاستطلاع أجراه معهد ماكينزي للصحة
في عام 2023، أفاد أكثر من ثلث المشاركين من جيل “زد” يقضون أكثر من ساعتين يومياً على مواقع التواصل
الاجتماعي، ولكن رغم ذلك يتربع جيل الألفية على عرش المستخدمين الأكثر نشاطاً،
حيث ذكر 32% أنهم يشاركون المنشورات على الأقل مرّة أو عدة مرات في اليوم، فهذا التفاعل المستمر عبر
وسائل التواصل الاجتماعي يغذي رغبتنا في الدوبامين، وهو الناقل العصبي المرتبط بالمتعة والمكافأة.
كما تم تصميم منصات التواصل الاجتماعي على غرار ’تيك توك‘ و’إنستاجرام‘ و’فيسبوك‘ كي تكون بمثابة “مصانع”
للدوبامين، حيث تهدف “الإعجابات” والإشعارات وتنبيهات المحتوى الجديد إلى تفعيل شعور بالترقب والمكافأة،
ما يدفعنا كي نلتصق بشاشاتنا في “حلقة دوبامين” مفرغة تهدف إلى تغذية شعورنا بالمتعة عبر استخدام
وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعلنا نرغب بالمزيد، وبالتالي تبقينا رهناً لهذا السلوك القهري الذي يترك عيوننا
مسمّرة على شاشات أجهزتنا مراراً وتكراراً.
وكما توضح آنا ليمبكي في كتابها “أمّة الدوبامين” (Dopamine Nation) الذي حقّق مبيعات كاسحة،
فإن هذه المنصات تستغل حاجتنا الفطرية للتواصل مع الآخرين، ولكنّها تتلاعب بمسارات الدوبامين كي تحوّل
هذه الرغبة إلى عادة غير صحية.
نصائح لتقليل الوقت الذي نمضية على الشاشات وتؤدي الى الإنهاك الرقمي
.1 رسم الحدود بوضوح
إنّ وضع حدود شخصية صارمة لاستخدام الهاتف المحمول يعتبر ممارسة من شأنها أن تفيد الكثيرين،
سواء كان ذلك بترك هاتفك في غرفة مختلفة ليلاً واستخدام منبه قديم الطراز لإيقاظك في الصباح،
أو وضع أطر زمنية محدّدة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي (قد تكون 30 دقيقة أو ساعة بداية جيّدة) .
كما تشكّل فترات الراحة المتكررة المفتاح لتقليل كمية المحتوى العشوائي الذي تتفاعل معه.
2. اختيار نوعية المحتوى الذي تتابعه
فكّر عميقاً بمن تتابعه ومن يتابعك وما تقترحه الخوارزميات لك من محتوى وأشخاص، حيث يمكنك التحكم بكل
هذه الجوانب بسهولة، لدرجة أنّك قد تشعر بانتعاش وتجدّد ذهني رائع عند توقفك عن متابعة المحتوى الذي لا
يعنيك حقّاً. تذكر أنه يمكنك أيضاً تحديد قائمة “الأصدقاء المقربين” على إنستاجرام واختيار من تريد مشاركة محتواك معه.
3. التخلص من عوامل تشتيت الذهن
جميعنا قد تراودنا الرغبة بإيقاف هواتفنا لبضع ساعات أو حتى أيام، إلا ذلك غير واقعي في عالمنا المعاصر الذي
بتنا فيه نعتمد على هذه الأجهزة من أصغر الأمور إلى أكبرها. لذا بدلاً من ذلك،
كما يمكنكم استخدام مزايا مثل “وضع التركيز” (Focus Mode) على ’آي فون‘،
والذي يسمح لك بتعطيل وظائف معينة في أوقات مختلفة من اليوم. أمّا بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي،
فهناك مجموعة كاملة من الإعدادات التي يمكن تغييرها لتبسيط ما نراه وما يمكننا الوصول إليه،
بما يشمل حجب الرسائل المباشرة من الغرباء، وإدارة إشعارات الإعجابات والتعليقات، أو حتى ربما إيقاف
تشغيلها تماماً إن رغبت باتباع منهجية أكثر صرامة.
مكان العمل وعلاقته بالإنهاك الرقمي
إذا كنت تعمل من المنزل، حتى لو كان ذلك لعدة أيام في الأسبوع فقط، فمن المفيد أن تعيد النظر في التوازن
بين عملك وحياتك الشخصية، وإذا وجدت بأن هذا الواقع ليس على ما يرام، تحدث إلى مديرك وحاول التفكير
بالطرق المتاحة لتحسين الوضع. وتذكر أن الوصول إلى مرحلة الإنهاك الرقمي قد يؤثر بشكل سلبي على جودة
حياتك، إذ تعد الصحة العقلية في غاية الأهمية، ومن شأن أي مدير جيد أن يُسرّ بمساعدتك في إدارة وقتك
والحد من توترك بشكل أكثر فعالية. كما يمكنك أيضاً التحدث إلى متخصّص مثل الطبيب أو الأخصائي النفسي
لمناقشة أي مخاوف وتقييم صحتك العامة.
لكوننا نمتلك رؤساء تنفيذيين داخل شركتنا، أعتقد أنه من المهم جداً أن نكون قدوة يُحتذى بها، إذ أننا نريد لفريقنا
أن يستمتع بوقته بعيداً عن العمل في المساء وعطلات نهاية الأسبوع، وأن يكون قادراً على الانفكاك من أعباء
المهنة ومشاغلها قدر الإمكان. نحن نسعى جاهدين لتجسيد هذا السلوك في كل ما نفعلهُ،
حيث يتمحور الأمر بشكل أساسي حول ضمان استقلالية موظفينا وضمان تمتّعهم بمستوى من المرونة في
عملهم. على سبيل المثال، نحن نتيح جداول عمل مرنة ونثق بالموظفين وقدرتهم على إدارة مهامهم في العمل
بكفاءة. كما أننا نقدّر وندعم الحدود التي يختارونها لأنفسهم من خلال مناقشة ساعات عمل واضحة “خارج
الإنترنت”، لذلك لا نتوقع منهم الرد على رسائل البريد الإلكتروني بعد وقت معين.
كما يشكّل الاستخدام المتوازن للتكنولوجيا جانباً هامّاً في الحفاظ على الصحة الذهنية سواء في مكان العمل أو
في المنزل، ولكافة الشرائح الاجتماعية والعمرية من الأطفال إلى البالغين. خذوا بضع دقائق اليوم لتغيير سلوككم
بإيقاف تشغيل الإشعارات أو كتمها وستشعرون على الفور أكثر خفّة وصفاءً وهدوءاً.